Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
22 février 2012 3 22 /02 /février /2012 13:44

  

محاضرة نعوم تشومسكي حول ما يسمى بالحرب على الإرهاب

 

يعود بنا هذا التسجيل إلى تاريخ 06/02/2002, حين قام عالم اللسانيات و المحلل السياسي المخضرم, نعوم شومسكي بإلقاء محاضرة في جامعة هارفارد. و بأسلوبه الأكاديمي المميز, الذي يجمع بين السخرية و الجد, تناول موضوعا اعتبر حينها في غاية الحساسية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر / أيلول, على مبنى مركز التجارة العالمي و وزارة الحربية الأمريكية, و ما نتج عنه في الأشهر التالية من ردود فعل أمريكية ألقت بظلالها على شكل و سير العلاقات الدولية بشكل هائل. هذا الموضوع هو ما سمي و يسمى بـ" الحرب على الإرهاب ".

يعالج شومسكي عدة قضايا من خلال عرضه لبعض الجوانب التاريخية لنشأة مفهوم الدول الراعية للإرهاب, الذي أوجدته الإدارة الأمريكية كمقدمة للحرب على الإرهاب, بداية عقد الثمانينات كأداة جد فعالة, لتحقيق مآربها و أهدافها الاستراتيجية عبر عدة بؤر مضطربة في العالم, و على رأسها الشرق الأوسط.

و في هذا الصدد يقدم تشومسكي عدة ملاحظات و تحليلات, حول اختلال المعايير الأخلاقية, التي كان يفترض بها أن تكون المرجع الأساسي الذي ينبغي على الجميع – بما فيهم زعماء الغرب – تطبيقه على أنفسهم قبل المناداة بتعميمه على بقية الشعوب, إذ يوضح بشكل منطقي و عقلاني لا يقبل الجدل, نفاق الساسة و الرؤساء الأمريكان, فيما يخص دفاعهم المزعوم عن ما يسمى " حقوق الإنسان " و الحرية و الديمقراطية عبر العالم, فيبين شومسكي بشكل ذكي و متسلسل كيف أن هذه الإدعاءات دفعت بأمريكا نفسها إلى خلق أكبر و أفتك شبكة في العالم, متمرسة في نشر الإرهاب الدولي الذي تدعي الولايات المتحدة أنها تحاربه, لسبب بسيط, و هو – حسب تشومسكي – أن القادة الأمريكيين يؤمنون في أدبياتهم السياسية تجاه العالم, بأن مركز القوة هو المعيار الوحيد في الحكم, مادامت هذه القوة في يد الولايات المتحدة, بغض النظر عن واقع الحقوق لدى أي جهة أخرى, و يضيف المفكر في نفس السياق أمثلة عن تواطؤ الصحافة الأمريكية مع هذه المجريات, و التفادي المقصود لكتابة تاريخ هذه الحروب بالموضوعية اللازمة, لاكتمال دائرة الكذب الممارس لعدة عقود في الغرب, حول حقائق التدخلات العسكرية الأمريكية – الغربية في دول أخرى, و التي ظلت تحمل ذرائع ذات صبغة أخلاقية, في مقدمتها ذريعة محاربة الإرهاب و الدول الراعية له.


 

رغم تحليلاته العميقة و نظرته النقدية الثاقبة, إلا أن هناك نقطة أشار إليها تشومسكي في المحاضرة, و التي يتحفظ عليها كاتب هذه الأسطر, و هي إعراب شومسكي عن " رفضه القبول بالعنف في شكله القانوني و على جميع المستويات, حتى لو كان هذا العنف عنفا مضادا أو ردا على عنف الطرف الآخر". أي بعبارات أخرى فإن المفكر هنا يقع في شبه تناقد مع نفسه, و هو الذي ساق امثلة عديدة عن مختلف البنود الأممية التي تدعم حق الشعوب في الدفاع عن استقلالها ضد الاحتلال الأجنبي و النظم العنصرية. فبالرغم من إعرابه الصريح لرفضه جميع أشكال العدوان و الإرهاب الذي اقترفته الولايات المتحدة و حلفائها في حق الكثير من الدول و الشعوب, فإن شومسكي – بحسب ما فهمه كاتب هذه الأسطر – يعتقد أن العنف المضاد الذي نتج عن هذه الشعوب, انتقاما من جرائم الولايات المتحدة, هو أمر مرفوض كذلك, بالاحتكام إلى المعايير الأخلاقية التي قامت عليها القوانين الدولية, و التي "يفترض" أن يتقيد بها الجميع, و التي أثبتت العقود أنها مجرد طوبويات, رغم أننا نعتبر وجودها " الرمزي " أفضل من عدم وجودها الكلي, لأنه سيذكرنا على الأقل بأننا مجتمعات بشرية.

لكن لو اتبعنا منطق شومسكي في رفض العنف المضاد " حتى لو كان مبررا بشكل لا يقبل الريبة " بشكله العمومي, فنقول إذن أن حرب الاستقلال الجزائرية مثلا, كانت خطأً جسيما اقترفه الجزائريون في حق فرنسا الاستعمارية, بالنظر إلى الوسائل العنيفة التي استخدموها لإيصال رأيهم لرابع قوة عالمية إذاك, بعدما فشلت كل محاولاتهم السياسية و نضالهم السلمي في وضع نهاية للاحتلال, و التي انتهت بمجازر الثامن مايو 1945, التي راح ضحيتها أكثر من أربعين ألف جزائري ؟. فشومسكي و برفضه شبه المطلق لأشكال رد الفعل العنيف تجاه العدوان – و هنا مربط الفرس – لم يقترح بديلا فعالا آخر يلجأ إليه الطرف المظلوم في حالات كهذه, مادامت الهيئات الدولية عاجزة عن فعل شيء, و مادام منطق القوة هو معيار التعامل الوحيد المتبع داخل المجتمع الدولي الحالي, و بقبول و مباركة مبطنة من قادة العالم الغربي أنفسهم.

رغم ذلك تجدر الإشارة إلى النقاش الذي يجب أن يفرضه واقع ردود فعل بعض الأطراف تجاه العدوان الأجنبي المعاصر, حول التعريف و الوصف الدقيق لمصطلحي المقاومة و الإرهاب, و التفريق بينهما على المستوى الفلسفي و الأخلاقي و السلوكي قبل كل شيء. فبعض المنظمات التي تصف نفسها بالمقاومة و الجهادية, باتت تتبع أساليب خاطئة في الرد على عدوان القوى العظمى, بل و ضارة بالدول و المجتمعات التي تدعي تلك المنظمات بأنها تدافع عنها, كاختطاف رعايا الدول المعتدية من المدنيين و قطع رؤوسهم أمام عدسات الكمرات على سبيل المثال, و هو سلوك غير مقبول بل و مقزز إذا نظرنا إليه من زاوية أخلاقية و إنسانية, رغم أن تاريخ القوى العظمى مليء بعمليات الإبادة و القتل المقصود و الممنهج للمدنيين و الأبرياء, و ربما تكون هذه هي الفكرة التي قصدها شومسكي في المحاضرة ؟. و السؤال المناسب لهذه الإشكالية الفلسفية هو: ما هي المحددات أو الضوابط المعيارية الأساسية, التي نعي من خلالها الحالات التي يجب فيها الرد على عدوان الآخر بالمثل, و محددات الحالات التي نمتنع فيها عن ذلك الرد, بدافع منع أنفسنا من النزول إلى مستوى همجية و وحشية الآخر, و إتباع أساليب رد أخرى ؟.

رغم هذا النقد المتواضع الموجه إلى أفكار عالم اللسانيات الكبير, نعتقد بأنه قد أصاب في جل تحليلاته لمسألة ما يُسمى بالحرب على الإرهاب, و هو يبقى مرجعا أساسيا في الفكر النقدي المتحرر من أشكال " الدكتاتورية الفكرية غير المباشرة ", التي تمارسها الأنظمة و النظم السياسية و الاجتماعية على الأفراد, داخل الدول التي تصف نفسها بالديمقراطية, إذ يبقى نعوم تشومسكي أحد رواد فلسفة التفكير المنطقي, و ربما آخرهم في العالم المعاصر.

Partager cet article
Repost0

commentaires

M
Thanks to Noam Chomsky for this outstanding speech! We should unite together and protest against the terrorism, which is one of the major threats faced by America! I8 didn’t understand why people kill each other in the name of caste, religion, country etc!
Répondre

Présentation

  • : Le blog de Amir Fennour
  • : هذه المدونة تحوي مقالات في شتى الميادين التي يهتم بها المدون, من مقالات في العلوم الاجتماعية و التراث الجزائري إلى بعض القصص القصيرة و النصوص النثرية. هي مقالات و نصوص سبق و تم نشرها في مواقع أخرى, لكن الكاتب أعاد جمعها في هذه المدونة إضافة إلى مقالات و نصوص لم تُنشر من قبل
  • Contact

Recherche

Pages

Liens