Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
15 décembre 2012 6 15 /12 /décembre /2012 15:09

Youtube

 

موقع يوتيوب كظاهرة ثقافية و إعلامية محركة للمجتمع المعاصر.

          في أيامنا هذه, لم يعد ممكنا التشكيك, في الدور الخطير الذي باتت تلعبه كبرى مواقع التواصل الاجتماعي, و التي صارت توصف بالدويلات الافتراضية, التي تضم ملايين المنتسبين إليها, و الذين يتبادلون اليوم قدرا مذهلا من المعلومات و الأخبار و الأفكار و التصورات, في مدى بات يُحسب على أساس الدقائق و الثواني, مما دفع بخبراء الإعلام إلى التلويح ببروز شكل جديد من عمليات صياغة فكر و اتجاهات أفراد المجتمع, عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي, يختلف في أسسه التطبيقية عما كان عليه الأمر قبل عقود قليلة, و لنأخذ في هذه العجالة موقع يوتيوب Youtube   كمثال... فماذا عنه ؟.

ما يعرفه عامة الناس عن هذا الموقع هو أنه مخصص لتحميل و مشاهدة الفيديوهات بشكل مرن و سهل لم يتوفر قبل عام 2005, عندما أسسه كل من شاد هارلي, جواد كريم و ستيفن شان, كمجرد نسخة تجريبية بسيطة, و كانت انطلاقته الفعلية كموقع '' كاسح '' سنة 2006, بعد قرار العملاق Google   شراءه من مخترعيه, بصفقة قيل أنها بلغت 1.65 مليار دولار أمريكي.

يكفي الإطلاع على الإحصائيات المختلفة التي يتم نشرها عن هذا الموقع دوريا, حتى ندرك حجم القوة التأثيرية التي بات يوتيوب يمثلها في حياتنا اليومية. فمثلا تقول إحصائية أن 60 ساعة من البث قد تم تحميلها في الدقيقة على يوتيوب شهر جانفي / ياناير 2012, و قد قفز هذا الرقم إلى 74 ساعة في الدقيقة شهر مايو 2012, و أنه في أكتوبر الماضي ( 2012 ) وصل المعدل الشهري لمشاهدة الفيديوهات على الموقع إلى 4 مليار ساعة, و هذه أرقام تدل على تحول هذا الموقع فعليا إلى أداة إتصالية و إعلامية تلعب دورا واضحا, ليس فقط في تكريس ثقافة الترفيه ( Intertainment culture   ) التي صارت ظاهرة عالمية, مع كل ما تحمله من قيم تربوية و أخلاقية مثيرة للجدل, خاصة إذا علمنا أن 9 من أصل 10 فيديوهات تحتل أعلى نسبة مشاهدة على الموقع هي في العادة كليبات موسيقية, لكن الأمر امتد إلى أن يصبح يوتيوب منبرا إعلاميا قائما بذاته, مكن من بروز أفراد و جماعات صارت تُسمع صوتها و تعبر عن أفكارها بكل قوة و بدون أية قيود, مع ظهور ثقافة المراسلين غير الرسميين ( أو ما اصطلح على تسميته بالمواطن الصحفي ), الذين أخذوا يزودون العالم بأخبار كل الأحداث التي تعرفها بلدانهم و بكل التفاصيل, مما سمح بتحويل هذا الموقع إلى ما يشبه حاضنة تفرخ كل أنواع الآراء و الاتجاهات و القناعات, و كلها معطيات باتت تؤثر, لا محالة, في الأحداث الداخلية و الخارجية لكل دولة تقريبا.

إذا ما أردنا فهم الجذور النظرية لقوة يوتيوب في صياغة آراء و توجهات جماهير اليوم, فعلينا أن نعود إلى مفهوم "القوالب النمطية" الذي سكه الصحفي الأمريكي W. Lippman   عام 1922, و الذي كان يفترض أن وسائل الإعلام و الاتصال في المجتمعات الديمقراطية التي لا يوجد بها قمع فكري صريح, يفترض أن تكون مجموعة '' قوالب '' يتم ملؤها بعقول عامة الناس, الذين يستهلكون المادة الإعلامية و يتفاعلون معها, بحيث يصبح تأثير المحتوى الإعلامي نفسه مساهما إلى حد كبير في صياغة فكر و رأي تلك الجماهير, وفق النمط المحدد الذي تتشكل به تلك القوالب نفسها, أو يُراد تشكيلها به ( أي علاقة التأثير و التأثر بين وسائل الإعلام و المجتمع ), و هو ما مكن لأستاذ علم نفس الاجتماع السياسي F.L Alportعام 1937 من القول بأن مصطلح الرأي العام يكتسب معناه الحقيقي حين يكون متعلقا " بموقف" يتخذه أفراد كثيرون يعبرون – أو يمكن دعوتهم للتعبير – عن شخص أو فكرة أو موضوع ذو أهمية واسعة النطاق, تتعلق بتلك الجماعة من الأفراد, إما بالقبول أو بالرفض.

 و يمكننا بالتالي ملاحظة الإمكانيات التي يتيحها يوتيوب لرواده اليوم, ليس فقط من أجل الإطلاع على المادة الإعلامية المتوفرة فيه ( بكل أنواعها و رسائلها ), بل و المساهمة في إثراء محتويات الموقع بما يثير اهتمام المنخرطين, و يتيح لهم و لغيرهم فرصة التعبير عن مواقفهم و آرائهم و اتجاهاتهم تجاه المواضيع محل الاهتمام, و هو أمر لا يساعد فقط هذه الجماهير على تشكيل اتجاهاتها و آرائها حول تلك الموضوعات, بل يعطي كذلك مؤشرا على الارتقاء بالرأي العام للجماهير إلى ما سماه الباحث Daniel Yankelovich بـ"القرار العام", الذي يكشف – حسبه – عن تفكير و تبصر أكثر, و مزيد من المشاركة في النقاشات و الجدل, يفوق في مستواه تلك المواقف الظرفية العابرة, التي يتخذها المجتمع في العادة, بناء على ردود فعل تستند إلى انفعالات وقتية, تزول مع مرور الوقت و يتغير معها موقفه تجاه المسائل المرتبطة بها.

فاتجاه اليوتيوب من هذه الزاوية, هو خدمة الموقف العام للجماهير, أكثر من خدمة الرأي العام, فهو يعمق من قناعات و اتجاهات الأفراد, و عمليا, يزيد من فرص تحرك و تجند الجماهير المتفاعلة حول المواضيع ذات الأهمية القصوى, من أجل خطوات أكثر واقعية و عملية من مجرد إبداء آراء عابرة, و هذا ما حدث مثلا فيما يسمى بالربيع العربي, حين لعب اليوتيوب دورا محوريا في تحريك شوارع و منظمات و حكومات في العالم, بما كان ينقله – و لا يزال ينقله عن الحرب السورية مثلا – من صور و أحداث و حقائق, ضلت تشكل مادة إعلامية دسمة, تتناولها كبرى الشبكات الإخبارية المؤثرة في صناعة الرأي العام في العالم, و لربما يتكشف لنا أحد الأهداف ذات الطبيعة الإخبارية و الإعلامية ليوتيوب في هذه النقطة بالذات, و هو تحويله إلى مصدر خام جد ثري لمختلف أنواع الأخبار, التي يشارك الشارع و المجتمع بذاته في صنعها أو نقلها ( خاصة في البؤر المتوترة ), لتقوم كبرى شبكات الأخبار بصقلها و تسويقها بأشكال مُنمطة, تضمن لها في النهاية أكبر الأرباح مقابل أقل التكاليف, دون الحديث عن مختلف الإسقاطات السياسية المنجرة عن تلك المعالجة الإخبارية و الإعلامية ؟.

إن ما يقوم به يوتيوب حاليا هو أشبه بإعادة صياغة السلوكيات الاجتماعية – الإعلامية للمجتمع البشري, لكن وفق أسس عالمية, خاصة بعد الانفجار التكنلوحي و الاتصالي الذي جاء به عصر العولمة, و الذي حول كوكبنا إلى قرية كونية موحدة تحت سلطة وسائل الإعلام – حسب مفهوم عالم الاجتماع و الإعلام M. McLuhan – لكن بالاعتماد على قوالب نمطية جديدة, تتخطى التصورات التقليدية حول مفاهيم الدولة الوطنية أو الحدود القومية أو الديمقراطيات المحلية...الخ – و هو ما لا يزال غائبا عن وعي نخبنا السياسية و الفكرية للأسف – فلا عجب أن الشخصيات و الشركات و الأحزاب و المنظمات التي فهمت قوته الحقيقية, تسارع اليوم لتأسيس قنواتها اليوتيوبية الخاصة بها, من أجل الترويج لنفسها و التعبير عن آرائها و نشر أفكارها و كسب المزيد من الاتباع و التفاعل معهم و رص صفوفها.....الخ, بل إن الأفراد العاديين – و هذا هو الجديد – يسيرون على نفس الدرب, و لنا أمثلة لا حصر لها عن آلاف الأشخاص عبر العالم, كانوا مجرد شباب أو مراهقين مغمورين, و عن طريق اليوتيوب, صاروا اليوم شخصيات شهيرة, في بلدانهم أو حول العالم, في ميادين مختلفة, كالرياضة و الغناء و التمثيل و الإبداعات العصرية غير الاعتيادية و ما إليها.

و مهما يكن من أمر, فإن يوتيوب و كغيره من مواقع الإنترنت المهيمنة, مجرد وسيلة, يتحدد نفعها أو ضررها بحسب أهداف و خلفيات و طبيعة من يستخدمها, كأفراد أو جماعات مميزة أو حتى مجتمعات, فهو إما وسيلة دعائية إيجابية لنشر الحقائق أو الترويج للأفكار و الثقافات و البلدان المختلفة, و فضاء رحب للالتقاء و الحوار و تبادل الآراء و المنافع و المبادرات الجيدة و إبراز الكفاءات و المواهب في كل المجالات, و إما وسيلة لنشر الفتن و الأباطيل أو الألاعيب السياسوية و فضاء لكل أشكال التشهير و السب و التجريح و نشر الأفكار المتطرفة أو العنصرية.

علاوة أمير فنور

Partager cet article
Repost0

commentaires

ا
يوتيوب
Répondre
ر
مرسي أوى على الموقع الجميل دة .. و ربنا يوفقكم ان شاء الله
Répondre
غ
المدونة هايلة جدا ً وموضوعاتها متنوعة جداً ، لكم مني اجمل تحية
Répondre

Présentation

  • : Le blog de Amir Fennour
  • : هذه المدونة تحوي مقالات في شتى الميادين التي يهتم بها المدون, من مقالات في العلوم الاجتماعية و التراث الجزائري إلى بعض القصص القصيرة و النصوص النثرية. هي مقالات و نصوص سبق و تم نشرها في مواقع أخرى, لكن الكاتب أعاد جمعها في هذه المدونة إضافة إلى مقالات و نصوص لم تُنشر من قبل
  • Contact

Recherche

Pages

Liens