Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
10 septembre 2011 6 10 /09 /septembre /2011 14:58

RTEmagicP_bbd748c8fa-1-.jpg

جدلية العقل و الانفعال و الحل المقترح لإنهائها

" الحياة كوميديا لمن يُفكّرون, و تراجيديا لمن يشعرون "... بهذه الكلمات عبّر دانيل جولمان عن تلك الجدلية الطويلة و المستمرة بين من يقدسون العقل و يرون أنه المفتاح الوحيد للتحكم في زمام الأمور و مجريات حياة الأفراد و المجتمعات, و ألائك الذي يرون أن العواطف و الانفعالات هي مفتاح ذلك.

و الحقيقة هي أن كل التجارب الحياتية أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن التطرف في الميل إلى أحد هاذين الطرفين ( العقل أو القلب ) على حساب الآخر, إنما هو فاتحة لمشاكل جمة من عدم التوافق النفسي و الاجتماعي للفرد. فكم من شخص حوّلته سلوكياته المبنية على التفكير العقلاني المحض إلى شخص فاتر العواطف يشبه الآلة الحاسبة, و انتهى به المطاف إلى تفكك صِلاته الاجتماعية بسبب نفور المحيطين به منه بسبب استحالة العيش بجانبه. و كم من شخص آخر صار عبدا ضعيفا لعواطفه و انفعالاته, إلى درجة أن التفكير العقلاني أو المنطقي لم يعد له وجود في حياته,مما جعل الحياة بجانبه مستحيلة كذلك بسبب سلوكياته الانفعالية المندفعة دوما بدون تفكير متأن نحو المجهول... نحو الانهيار.

و قد كان هناك مجال واسع للحديث عن التوفيق بين العقل و المشاعر في تسيير أمور الحياة, لكن الحقيقة أثبتت أن قلة من الناس يفلحون في خلق هذا التوافق,بينما يستمر الكثير منهم في حياة المد و الجزر في صراع القلب و العقل دون أن يفهموا جوهر هذا التجاذب,و هو السبب الأول في أنواع الإرهاق العصبي و القلق التي يعيشها الإنسان المعاصر.

هنا نصل إلى ما يُمكن اعتباره المفهوم الذي فتح الطريق واسعا لدراسة هذه العلاقة المتشابكة و المعقدة بين التفكير المنطقي الواعي, و بين طاقة المشاعر و الأحاسيس و الانفعالات. عندما بدأ علماء النفس المعرفي يشيرون إلى ألائك الأشخاص الذين يستطيعون التوفيق بين التفكير و الانفعال بشكل يمكنهم من النجاح في مختلف مناحي حياتهم, خاصة ما تعلق منها بجانب العلاقات الاجتماعية. و قد سُميت هذه القدرة بالذكاء الانفعالي, و تسمى أيضا بالذكاء العاطفي, و الذكاء الوجداني, و ذكاء المشاعر.

لقد كان الباحث " رووفين بارون R-Baron   " أول من وضع معامل الانفعالية Emotional Quotient   العام 1985, و وصف الذكاء الانفعالي بأنه " يُظهر قدرتنا على التعامل بنجاح مع مشاعرنا و مع الآخرين ". ثم جاء دانييل جولمان عام 1995 مقدما نموذجه النظري الشهير للذكاء الانفعالي, إذ عرف جولمان هذا النوع من الذكاء بأنه " مجموعة من المهارات الانفعالية و الاجتماعية التي يتمتع بها الفرد, و اللازمة للنجاح المهني و في شؤون الحياة الأخرى", ثم جاء بعده كل من " سالوفي و ماير Salovey & Mayer   " عام 1997 بتعريف آخر للذكاء الانفعالي يفيد بأنه: " القدرة على إدراك الانفعالات و فهمها و تنظيمها لتدعيم الترقي الانفعالي و العقلي ".

و على أساس ما تقدم, يمكن أن نعبر عن الذكاء الانفعالي بأنه نوع من القدرة التي تسمح للفرد بإدراك عواطفه أو انفعالاته حين حدوثها, و تقييمها تقييما دقيقا, لتسخيرها لصالح علاقته مع نفسه و مع الآخرين. إذ يتحقق على هذا المستوى ذلك الارتباط بين العقلين المفكر ( القشرة المخية ) و العاطفي ( المخ الحوفي ). فالقدرة على إدراك الانفعال و فهم نوعه و مدى عمقه و آثاره على سلوك الفرد, ثم استخدام هذه المعرفة في ضبط الانفعالات و السلوك و الأفكار الناتجة عنها لصالح صاحبها, بات يعتبر من أعظم قدرات الذكاء حاليا. فأذكى الأشخاص في عصرنا الحالي ليسوا من حملة الشهادات الأكاديمية الراقية من الجامعات الشهيرة بالضرورة, بل هم ألائك الذين يملكون القدرة العالية على فهم انفعالاتهم و عواطفهم,و يستخدمون ذلك الفهم الدقيق في توجيه تلك الأفكار و المشاعر للحصول على الراحة و الرضا على النفس و النجاح في العلاقات مع الآخرين.

فقد بين سالوفي أن مرتفعي الذكاء الانفعالي يُحتمل أن يكون لديهم القدرة على مراقبة انفعالاتهم و مشاعرهم, و التحكم فيها, و الحساسية لها, و تنظيم تلك الانفعالات وفق انفعالات و مشاعر الآخرين. و قد حدد مفهوم الذكاء الانفعالي في خمسة نقاط أو قدرات أساسية, لخصها السيكولوجي الجزائري " بشير معمرية " كالآتي:

-1 أن يعرف الفرد عواطفه و مشاعره.

-2 أن يتدبر الفرد أمر عواطفه و مشاعره.

-3 أن يدفع نفسه بنفسه, أي أن يكون مصدر دافعية لذاته.

-4 أن يتعرف على مشاعر الآخرين.

-5 أن يتدبّر أمر علاقاته بالآخرين.

هذا و قد قدم دانييل جولمان نموذجا نظريا مثيرا للاهتمام لخّص من خلاله القدرات الفرعية الأساسية التي يتشكل منها الذكاء العاطفي, و اللازمة للنجاح في الحياة الشخصية و في العلاقات الاجتماعية, إذ تشتمل على: معرفة الانفعالات, إدارة الانفعالات, تنظيم الانفعالات, التعاطف و أخيرا إدارة العلاقات.

إن الركيزة الأساسية في هذا النظام العقلي –الانفعالي هي معرفة الانفعالات وقت حدوثها و إعطائها التقييم المناسب لأثرها على سلوكنا,إذ يورد جولمان في هذا السياق أسطورة جميلة تدور حول محارب الساموراي الياباني الذي التقى ذات يوم برهبان و أراد أن يتحداه حول من أكثرهما دراية بمفهوم الجنة و النار.فنظر إليه الرهبان نظرة احتقار و هو يقول له بأنه لن يضيع وقته مع تافه مغفل مثل مقاتل ساموراي,فكان أن شعر المحارب بالإهانة الشديدة, فسحب سيفه من غمده و هو يصيح راكضا نحو الرهبان الذي ظل واقفا في مكانه بهدوء, و قبل أن يصل مصل السيف إلى رقبته صاح في الساموراي: هذه تماما هي النار. فتجمد المحارب في مكانه و قد أدرك أنه فعلا كان لقمة سائغة لانفعالاته, فشعر بالخجل الشديد و انحنى للرهبان معتذرا بشدة فعاد الرهبان و هو يقول: و هذه هي الجنة   !  .

إن الوعي بالانفعال في لحظة حدوثه يختلف كلية عن إدراكه بعد أن يقع السلوك الناتج عنه و يزول,إذ أن هذا الوعي هو الذي يصنع الفارق بين الإقدام على فعل أو سلوك متهور قد يجعل صاحبه يقع في دوامة الندم الطويل لاحقا,و بين ضبط النفس الذي يأتي عندما يستطيع الفرد التفريق بين ذلك الانفعال و بين ذاته نفسها,كأن يقول الشخص في لحظة غضب غامر من شخص ثان: هذه مشاعر الغضب و لستُ أنا الغضب.

فهذا النوع من الوعي – حسب جولمان – يؤدي وظيفة رقابية على انفعالات الفرد, وهو الذي يصدر الأحكام على المشاعر المختلفة على أنها جيدة أو سيئة, مقبولة أو مرفوضة, فإذا تمكن الفرد من تطوير هذه القدرة يكون قد وصل إلى جوهر ما دعى إليه سقرلط عندما قال: " اعرف نفسك بنفسك ".

البعد الثاني في هذا النموذج, هو " إدارة الانفعالات ", و الذي يُقصد به التحكم في سير الانفعالات بعد إدراكها, و وضع كل انفعال في مكانه المناسب,لتحقيق التوافق مع الذات و مع البيئة و المجتمع. كما يشمل أيضا طرق التعامل مع الانفعالات العاصفة و الشديدة,و امتصاص آثارها السلبية التي من شأنها زعزعة شخصية الفرد, و ذلك بعيش تلك الانفعالات و معالجتها بمرونة.فالفكرة الأساسية التي تعبر عن هذا البعد هي أن لكل موقف من مواقف الحياة انفعالا مناسبا له لا يمكن إنكاره أو قمعه كما لا يمكن أن يستبدل بانفعال آخر.فتقلب الحياة بين مواقف سعيدة و أخرى حزينة,ينبغي التعالم معه بوضع الانفعال المناسب في الموقف المناسب و عيش ذلك الانفعال بمعقولية. و الهدف من كل هذا هو إعطاء الحياة معناها الحقيقي.

فالأفراد الذين يعيشون دوما في ريتم انفعالي واحد و ثابت هم أكثر الأشخاص عرضة للمشاكل التوافقية,كما أن ألائك الذين يفتقدون إلى قدرة تسيير مشاعرهم و التعامل مع انفعالاتهم الطارئة بالمرونة اللازمة,هم أشخاص بحاجة ماسة إلى مساعدة. فالاعتقاد السائد بين عامة الناس فيما يخص التعامل مع الانفعالات السلبية كالحزن مثلا, هو أن أفضل وسيلة لتجنب هذه المشاعر هي إنكارها أو القفز عليها, إلا أن ذلك لا ينفع عادة, خاصة إذا كان الموقف يتطلب أن نعيش تلك المشاعر. إنما الحل يكمن في تقبلها و محاولة فهم سببها و الاقتناع بأنها طبيعية و هي تخص مرحلة أو حدثا معينا أدى إلى عيشها, أي أنها مؤقتة.

أما البعد الثالث لهذا النموذج النظري,فهو " تنظيم الانفعالات " و تسمى كذلك الدافعية الذاتية و التحكم في العواطف و القدرة على تأجيل الإشباع, و هي أيضا القدرة على تنظيم الانفعالات و توجيهها إلى تحقيق الانجاز و التفوق, و استعمال الانفعالات في صنع أفضل القرارات.

فقد أثبتت دراسات تتبعية هامة, أجراها مجموعة من الباحثين في السنوات الماضية, شملت مجموعة من الأطفال من مرحلة الروضة إلى غاية مرحلة المراهقة,أثبتت أن أفراد العينة الذين كانوا يستطيعون تنظيم انفعالاتهم و توجيهها توجيها صحيحا مبنيا على أساس الأهداف النهائية التي يريدون الوصول إليها, بما في ذلك مهارات تأجيل إشباع اللذات الآنية العابرة من أجل لذات مستقبلية أكبر.كان هؤلاء الأفراد الأكثر نجاحا في حياتهم الدراسية و الاجتماعية و المهنية,عكس الأفراد الذين كانوا يواجهون عجزا في فهم انفعالاتهم و استغلالها في حفز ذواتهم للوصول إلى أهدافهم النهائية.لذلك خلص أحد الباحثين المشاركين في هذه الدراسة للقول بأن:" تأجيل الإشباع المفروض ذاتيا و الموجه بالهدف,ربما يكون أساسا لتنظيم الذات الانفعالية ".و تجدر الإشارة إلى أن التنظيم الانفعالي يساعد الفرد في فهم الكيفية التي يتفاعل بها الآخرون من حوله بمشاعرهم المختلفة.

و هنا نصل إلى البعد الرابع و الذي يُعتبر أساسيا و هاما جدا في مجال النجاح في العلاقات الاجتماعية, و هو ما يُسمى بـ" التعاطف ", و يسمى كذلك التفهم أو التقمص الوجداني كما يسميه "إدوارد تيتشنرE.Titchener   " الذي يقول:" التعاطف ينبع من الشعور بمعانة الآخر، باستحضار مشاعر الآخرين نفسها إلى داخل المتعاطف نفسه".

و يوضح الدكتور بشير معمرية ما سبق بقوله: "يقوم التعاطف على أساس الوعي بالذات, لأنه بقدر ما يكون الفرد قادرا على تقبل مشاعره و إدراكها, يكون قادرا على قراءة مشاعر الآخرين. فالأشخاص العاجزون عن التعبير عن مشاعرهم, و المفتقدون لأي فكرة عما يشعرون به أنفسهم, يكونون في ضياع كامل. حيث أنه إذا طلب منهم معرفة مشاعر أي شخص آخر ممن يعيشون حولهم, فإنهم لا يجيبون بشيء ". و قد بينت الباحثة " زينب شعبان " في هذا الصدد عام 2003 دراسات أجريت في أمريكا على أفراد من أعمار مختلفة و من جنسيات مختلفة, أن الإنسان القادر على قراءة المشاعر من التعبيرات غير المنطوقة, يكون في حالة أفضل من حيث التكيف العاطفي و محبوبا أكثر من غيره,و تبين كذلك من نتائج هذه الدراسات أن النساء أفضل من الرجال في التعاطف,و أن الأطفال الأذكياء في قراءة المشاعر غير المنطوقة كانوا من الأطفال المحبوبين  في  المدرسة و أكثرهم استقرار عاطفيا و أفضلهم أداءً.

لذلك يُطلق بعض العلماء على هذا العنصر اسم " دور العاطفة الذكي ", فهو يشمل إدراك الإنسان لعواطفه الذاتية و فهمها فهما عميقا, ثم العمل على الحفاظ عليها و العناية بها و تطويرها, إلى القدر الذي يصل به إلى " الارتقاء " بها إلى القدرة على قراءة عواطف و انفعالات الآخرين, دون أن يضطروا هم للتعبير عنها, و استعمال هذه القدرة في التواصل معهم و تلبية احتياجاتهم, بما يكفل تقديرهم و تأثرهم بشخص الفرد المتعاطف.

أما البعد الخامس و الأخير في هذا النموذج فيسمى بـ "إدارة العلاقات ",و هو ما يمكن اعتباره فنا من فنون العلاقات الاجتماعية,كما يسمى بالكفاءة الاجتماعية و التواصل الاجتماعي.و يشير إلى تأثير الفرد القوي و الايجابي في الآخرين عن طريق إدراك انفعالاتهم و مشاعرهم, و معرفة متى يقود و متى يتبع الآخرين و يتصرف معهم بطريقة ملائمة.

فحسب بشير معمرية فإن الإنسان كائن اجتماعي, و قدرته على السلوك بصورة سليمة مع الآخرين عامل فعال في توافقه. و تشير الكفاءة الاجتماعية إلى القدرة على فهم مشاعر الآخرين و انفعالاتهم بالصورة المثلى التي يتطلبها الموقف, و هي تظهر في القدرة على التأثير في الآخرين و التواصل معهم, و قيادتهم بشكل فعال. هذا وقد كتب جولمان يقول: " فن العلاقات بين البشر هو في معظمه مهارة في تطويع عواطف الآخرين, و يتطلب ذلك كفاءة اجتماعية و قدرات و فعالية في عقد الصلات مع الآخرين. و المتفوقون في هذه المهارات يجيدون التأثير بمرونة في كل شيء يعتمد على التفاعل مع الناس".

و يضيف بشير معمرية على كلام جولمان أن إدارة الانفعالات بشكل سليم مع الآخرين, هي أساس تناول العلاقات على نحو صحي و ناجح, و هي مهارة أساسية في إقامة علاقات ايجابية متميزة مع الآخرين, و لكي ينجح الفرد في التحكم في انفعالاته يتطلب نضج اثنتين من المهارات في هذا النموذج هما: إدارة الذات و التعاطف.

و لعلنا نفهم الآن بعد كل الذي تقدم,أن مثل هذه النماذج النظرية و البحوث التي ارتبطت بها قد حققت الكثير في ميدان علم النفس الحديث, و ساعدت في فهم و تحليل الكثير من السلوكيات سواء كانت ظاهرة أو باطنية, و التي يتميز بها الإنسان مع نفسه و مع الآخرين. حيث صار مفهوم الذكاء الانفعالي أو العاطفي من بين أهم المواضيع المدروسة في الجامعات و مراكز البحث.

....يُتبع

Partager cet article
Repost0

commentaires

ج
الذكاء الإنفعالي هو محور إدارة جميع المواقف الحياتية التي يمر بها الفرد وخصوصا في المواقف المباشرة في العملية التعلمية بين المعلم والتلميذ
Répondre

Présentation

  • : Le blog de Amir Fennour
  • : هذه المدونة تحوي مقالات في شتى الميادين التي يهتم بها المدون, من مقالات في العلوم الاجتماعية و التراث الجزائري إلى بعض القصص القصيرة و النصوص النثرية. هي مقالات و نصوص سبق و تم نشرها في مواقع أخرى, لكن الكاتب أعاد جمعها في هذه المدونة إضافة إلى مقالات و نصوص لم تُنشر من قبل
  • Contact

Recherche

Pages

Liens