Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
19 avril 2011 2 19 /04 /avril /2011 15:35

L-imzad-dans-les-mains-d-une-des---l--ves-de-l---cole-de-Ta.jpg

من التراث الجزائري: أسطورة الإيمزاد

عالم سرمدي ساحر لا متناه... غموض و ألغاز و قصص من الماضي السحيق... جمال متوحش و مخملي في آن واحد..., هذه بعض العبارات التي قد يستنجد بها السائح الأجنبي في محاولة يائسة يصف بها شعوره و انطباعه تجاه واحدة من أشهر و أجمل الصحاري في العالم, صحراء " الهوغار أو الآهاغار و التاسيلي ".

و لمن لم يسمع من قبل بوجود هذا المكان, أقول له أنه يقع في الجنوب الشرقي للجزائر, عبارة عن هضبة صخرية بركانية شاهقة, تقع على علو نحو ألف متر عن سطح البحر, تتشكل من سلاسل جبلية بركانية ذات أشكال بديعة, تفننت الطبيعة في نحتها على مدار ملايين السنين منذ أيام الزواحف العملاقة. لذلك صنفت منظمة اليونسكو عام 1982 هذه الصحراء الجزائرية كإرث إنساني عالمي, بل و أبعد من ذلك, تم تصنيف المنطقة كأكبر متحف طبيعي مفتوح على الهواء الطلق في العالم, لاحتوائه على نحو ثلاثين ألف نحت و رسم حجري لإنسان ما قبل التاريخ, و بقايا أشجار حجرية عملاقة كانت الديناصورات تتجول تحت ظلالها ذات مرة, و كل ذلك ممتد على مساحة تقدر بثمانين ألف كيلومتر مربع.

إن الحديث عن السحر و الشهرة و الإثارة التي يصنعها هذا المكان الفريد من نوعه قد يدفع البعض للاعتقاد أن الأمر يتوقف عند جماله الطبيعي فقط, إلا أنه يتعدى مجرد ديكور تاريخي قديم من دون حياة, لأن هذه المنطقة تفيض بنبض شعب عاش فيها لقرون طويلة بكل تناغم و انسجام. إنهم الطوارق (1), الشعب المتفرد في كل شيء, في لباسه و نمط عيشه و لغته و عاداته و تقاليده و قوانينه و ثقافته, و قد استطاع فعلا تصدير تلك الثقافة إلى كل أنحاء العالم بعباءتها الجزائرية و بشكل ضاعف من أعداد السياح, سواء كانوا أشخاص عاديين أو علماء آثار و أنثربولوجيا و اجتماع أو موسيقيين و فنانين... ممن شدهم غموض المنطقة, فتحولوا إلى حجاج يزورونها كل شتاء, بفضل تلك العلاقة العاطفية و الروحانية التي ربطوها مع هذا الجزء العميق الغابر مما يُسمى بالعالم العربي, بفضل تلك الجاذبية التي تستمر الثقافة الطارقية في ممارستها على عقل كل من يزور المنطقة. و لعل من أهم تلك العناصر الثقافية التي صنعت هذه الهالة حول منطقة الهوغار و التاسيلي طيلة هذه العشريات من الزمن, هي الموسيقى التي يشتهر بها شعب الطوارق و المعروفة باسم " إيمزاد " نسبة لاسم الآلة التي تعزف بها.

ليس هنالك تاريخ مضبوط حول ظهور هذا النمط الموسيقي الفريد من نوعه في شمال إفريقيا, إلا أن الدراسات الأنثرُبولوجية ركزت اهتمامها كثيرا على دراسته و تحليله, كونه يعتبر من التراث المعنوي الأخير تقريبا, الذي لم يتأثر بأي عوامل خارجية احتكت بها حضارة الطوارق العريقة, فهو و بحسب العارفين بأسراره لم يتغير, و بقي محافظا على طبيعته الأصلية منذ قرون, إضافة لكونه نوعا من الموسيقى الطقوسية و الرمزية التي لها ارتباط عميق و متجذر في تاريخ المنطقة الطويل. إلى درجة يؤكد فيها البعض أنه و عن طريق هذا الطريق الطويل الذي قطعه لحن الإيمزاد الذي حافظ على بنيته الأولى التي ظهر بها في غابر الأزمان, يمكن تشكيل صورة واضحة كما لم تكن من قبل حول حياة الإنسان الأول, بل و الشعور بما كان يشعر به في حالاته الوجدانية المختلفة بالنسبة للذين يمتلكون الحس الموسيقي الوجداني العالي.

يمكن تحديد أربعة عناصر أساسية يقوم عليها عالم موسيقى الإيمزاد الغامض, و هي:

-1 اللحن نفسه, و الذي ينقسم إلى لحن أساسي أو سيد يُطلق عليه في اللغة الأمازيغية " آمغار " و ألحان فرعية تسمى " إيزلان " و هي الفروع أو الأغصان. و عموما هناك 36 لحنا خالدا و معروفا في هذه الموسيقى.

-2 القصائد المرافقة للحن, و التي تتطرق لمواضيع تشكل صلب حياة الإنسان الطارقي و تعطي معنى لوجوده, و عموما هي مواضيع تدور حول المرأة و الجمال و الشجاعة و النبل و الوطن, إضافة إلى قصائد تغنى في المناسبات الاجتماعية و الدينية كالأعراس و أعياد المولد النبوي و عاشوراء...

-3 المرأة التي تعتبر العازفة الأولى و الأخيرة للإمزاد, إذ أن حمل آلة الإمزاد يكاد يكون أمرا محرما على الرجل في مجتمع الطوارق, الذي تُعتبر فيه المرأة هي الركيزة الأساسية التي يقوم عليها البناء الاجتماعي.

-4 الآلة اللغز كما يحلو للبعض تسميتها, إنها آلة الإيمزاد الوترية التي تشبه إلى حد ما الكمان, و التي يصدر منها ذلك اللحن الغامض الضارب في عمق التاريخ, و المعبر بصدق عن روحها و روحانيتها.

إن الحديث عن الإيمزاد ارتبط دوما بالقصص و الأساطير التي خطها الطوارق و توارثوها في ثقافتهم حول البدايات الأولى لهذا اللون الموسيقي و آلته المميزة, و لعل أشهر هذه الأساطير تلك التي تحكي أنه و في زمن غابر أين لم يكن هنالك قانون قوي يحكم و ينظم علاقات الناس, و لم تكن هناك أعراف تسير مصالح و علاقات القبائل و الشعوب, نشبت حرب ضروس بين قبائل الصحراء بسبب نبع للماء, و قد استمر القتال لوقت طويل, حيث نزلت لعنة ذلك النزاع على الناس, فحولت عيشهم إلى مرارة و ألم, و فرقت شمل الأقارب و الأحباب, فهجر البلاد قوم كثير و لم يبق فيها سوى من أجبرته ظروف الحرب على البقاء. لقد تيتم الشباب الذين سرعان ما تحولوا إلى مقاتلين يأخذ الواحد منهم مكان الأب أو الشقيق الأكبر الشاغر في ساحات المعارك, التي كانت قد ارتوت بدماء الجيران و الإخوة الأعداء إلى درجة أن الأجيال اللاحقة من المحاربين صارت تقاتل بعضها البعض دون أن تعلم جوهر الصراع و سببه الأصلي, بسبب تراكم الأحقاد و الضغائن التي حولت الجميع إلى كتل من الكره و نيران من التعصب القبلي الأعمى, فصار الرجل يعيش من أجل أن ينتقم.

لقد استمر الأمر على حاله حيث طالت حروب الكر و الفر بين العشائر المتقاتلة, و ضاقت الصحراء بما رحبت على نساء الطوارق, اللواتي فقدن نضارتهن بسبب ما فعلته الدموع و الدهر بوجوههن السمر, بعد أن فقدن أزواجهن و أبناءهن و قُطعت أرحامهن و وجدن أنفسهن ضحايا للوحدة و الخوف و الضياع, و هن يشاهدن كيف تحول الحرب و أحقادها ما بقي من رجال و شباب إلى مجرد جثث حية تصطف على لائحة الموت منتظرة ضربات أمصال السيوف و الرماح, لتجعل منها طعام ضباع الليل في آخر المساء بعد نهاية الاقتتال. أجل لقد غاب الأمن و الأمان, حيث اختلطت العزة بالإثم و صارت الدماء رخيصة و ضاعت قداسة الصحراء فلم يعد للحياة معنى.

 لهذا السبب قررت نساء العشائر المختلفة الاجتماع ذات يوم لبحث مخرج لهذه الكارثة الحضارية و الأخلاقية التي حلت على القوم, بسبب نبع ماء لم و لن تنقطع مياهه أبدا, فقررن يومها ابتكار شيء ما تكون له القدرة على إيقاظ الضمائر و المشاعر و العودة بالعقول و القلوب إلى التبصر في المعاني الحقيقية لنبل و شهامة رجل الصحراء. حينئذ اقترحت إحدى النسوة صناعة آلة موسيقية لذات الغرض, فأوكلن المهمة لأكبر الحاضرات سنا و أكثرهن حنكة و معرفة بأسرار الفيفاء.

و بالفعل و من دون انتظار عادت العجوز إلى بيتها, حيث تطهرت و تزينت و خرجت تبحث عما تصنع به هذه الآلة, مسلمة روحها إلى روح الصحراء, تاركة بذلك الأمر لغرائزها الأمومية كي تتصرف بكل تلقائية و سجية في صناعة هذا الشيء المقدس. حينئذ هبت نسمات خفيفة مدحرجة حبيبات الرمل الذهبية على الكثبان, محركة أوراق شجر الصحراء, ثم صارت تحدث نوعا من الصفير الخفيف على مداخل الكهوف التي عاش فيها الأسلاف قبل آلاف السنين, بشكل شد مسامع الفهود المستلقية على الصخور المتراصة فوق بعضها البعض, في ذات الوقت الذي كانت فيه المرأة قد فرغت من صناعة الكمان ذو الوتر الواحد, فمرت تلك النسمات و لامست الوليد الجديد فكانت روحه التي سكنته.

و في مكان غير بعيد, كان دولاب الحرب الضارية مستمرا في حصد المزيد من الأرواح و تحطيم المزيد من القلوب, حيث اشتد القتال بين المحاربين و كل يشد على مقبض سيفه بيده المتعرقة, و بصره شاخص بين الغبار الذي كانت تثيره حوافر الجمال و التحام المقاتلين بعضهم ببعض. إلى أن حدث شيء غريب, فقد بدأت أصوات تناطح السيوف تخف شيئا فشيئا, و راح صراخ حناجر الرجال ينزل إلى أدنى مستوى, فراح البعض يتساءل عما يحدث بعد أن توقفوا عن مبارزة بعضهم البعض. لكن عبارات و همسات الطاماشيق (2) انتشرت بين الجميع, مفادها أن اسمعوا هذا اللحن الشجي القادم من بعيد مع نسمات الهواء. وقف الجميع للحظات دون حراك و هم يُنصتون لتلك الألحان الطيبة الغريبة التي راحت تداعب مسامعهم و تتسلل بشكل معجز إلى أعماق قلوبهم, لتبدأ في تهدئة غضبها و خوفها, تماما كالماء الباردة التي تسكب على المعدن الوهاج من النار فيتصاعد حره في شكل بخار فيتبدد في الهواء.

من دون سابق إنذار, وجد الرجال أنفسهم و هم يضعون أسلحتهم على الأرض, و يسيرون من دون وعي قاطعين تلك المسافة يتتبعون صوت الآلة عن طريق النسمة التي كانت تحملها إليهم و تقودهم إليها, و هم في حالة روحانية غربية و نظرات شاردة صبت عليهم الطمأنينة التي افتقدوها لسنين عديدة, و التي برزت عبر نظرات عيونهم التي كانت تفضي عن ملامح وجوههم الملثمة. إلى أن وصلوا إلى تلك الشجرة وسط الصخور البركانية, أين كانت المرأة تجلس في وقار, تضع الوليد فوق حجرها و هي تعزف بكل تلقائية  مستلهمة تلك الألحان من روح الصحراء الشاسعة, و من همسات أرواح و أطياف الأسلاف الهائمة في ربوعها. فكانت الآلة تبدو كالولد الوديع حين يجلس فوق حجر أمه الحنون, يُدندن ألحانه الملائكية في سلام, في حين تداعب هي خصلات شعره بأناملها الرقيقة.

لقد جلس المحاربون جميعا جنبا لجنب مشكلين ما يشبه الحلقة, و أغمضوا أعينهم و راحوا ينصتون إلى اللحن الذي أخذهم بعيدا عن الواقع, أخذهم إلى أعماق أنفسهم, في مكان ما حيث يُمكن للروح و القلب أن يتطهرا من نجاسات الأحقاد و الكره, التي تطمس البصيرة و تحول العبد إلى ما يشبه البهيمة. هناك تخلص كل واحد منهم من حمله الأسود, و ما إن كادت العازفة تنتهي من عزفها المقدس حتى فتح الجميع أعينهم التي فاضت منها نظرات جديدة, فراحوا بعدها يتعانقون و يتبادلون الاعتذار و الصفح, و هكذا أنهت آلة الإيمزاد و موسيقاها أيام الحرب, و أتت بحقبة عاشت فيها جميع قبائل الصحراء في كنف السلم و الأخوة.

و هكذا يُمكن للقارئ الكريم استلهام عدد لا يحصى من العبر و القيم الأخلاقية من هذه الأسطورة الجميلة, لكن الأجمل هو حقيقة ذلك التأثير النفسي الغريب الذي لا تزال تحدثه هذه الموسيقى في نفوس أبنائها من الطوارق, أو عشاقها من السياح الأجانب, فأنت تراهم يجلسون من دون حراك في حضرة العازفة, إلى درجة قد يبدون فيها كأنهم جمادات, و الحقيقة هي أنهم و في تلك اللحظات يكونون في قمة التأمل و الاستبطان, إلى درجة قد تدفع الفضولي إلى افتراض أن تلك الأسطورة التي عمرها عشرات القرون حقيقية فعلا.

لكن ما يؤسف له حقا هو أن أعدادا لا يستهان بها من الجزائريين و خاصة من الشباب, تجهل وجود مثل هذه الثقافة أو مثل هذا التراث المعنوي الهام للبلد, رغم أنه قد وصل إلى اليابان و كندا و روسيا, حيث اكتشفه شباب هذه الدول كما لم يكتشفه شباب بلده الأصلي ؟.

1 الطوارق أو الرجال الزرق هم قبائل تنتشر عبر دول الساحل الإفريقي , كليبية, مالي, نيجر, موريطانيا, و الجزائر التي تعتبر من أهم مراكزهم لتواجد أطلال مملكتهم و ضريح ملكتهم التاريخية " تينهينان " في منطقة " آبلسة " بالجنوب الجزائري.

2 طاماشيق أو طاماشيك, هي لغة الطوارق التي تكتب بحرف " التيفيناغ " الذي يعتبر القاعدة الأبجدية الأساسية للخط الأمازيغي في الجزائر 

 

Partager cet article
Repost0

commentaires

Présentation

  • : Le blog de Amir Fennour
  • : هذه المدونة تحوي مقالات في شتى الميادين التي يهتم بها المدون, من مقالات في العلوم الاجتماعية و التراث الجزائري إلى بعض القصص القصيرة و النصوص النثرية. هي مقالات و نصوص سبق و تم نشرها في مواقع أخرى, لكن الكاتب أعاد جمعها في هذه المدونة إضافة إلى مقالات و نصوص لم تُنشر من قبل
  • Contact

Recherche

Pages

Liens